Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

العالم في حرب
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

"اذا رايت سلاحا معلقا على الحائط في بداية المسرحية فاعلم انه ستستخدم لقتل احدهم في النهاية" .. واحدة من اشهر مقولات الكاتب الإنجليزي الكبير ويليام شكسبير.. والان ما اكثر البنادق المعلقة على حدود الدول في انتظار قتال قد يندلع وتتفجر شظاياه في أي لحظة.

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا والعالم يقف على شفا كارثة. ليست هذه مجرد أزمة عابرة، بل لحظة تاريخية فاصلة تذكرنا بالأيام المشؤومة التي سبقت الحربين العالميتين. لكن هذه المرة، الأزمات تتشابك كخيوط نسيج معقد، تهدد بتمزيق النظام العالمي الذي عرفناه منذ نهاية الحرب الباردة.

تخيلوا العالم كلوحة فسيفساء هائلة، كل قطعة فيها أزمة متفجرة. الصين وتايوان ، كوريا الشمالية واليابان ، الهند وباكستان ، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وصولا الى نصف القارة تقريبا ، لكن وفي مركز هذه اللوحة الفسيفسائيّة، تقف أوكرانيا كحجر الزاوية الذي يهدد بإسقاط البناء بأكمله.

أوكرانيا، حيث كتب الفصل الأحدث في هذه الملحمة المعاصرة. في 6 أغسطس 2024، اجتاحت قواتها الحدود الروسية، متوغلة عشرات الكيلومترات داخل منطقة كورسك. هذا التطور المذهل ليس مجرد انتصار عسكري؛ إنه زلزال جيوسياسي يهز أسس النظام العالمي. صحيح هناك من يقول ان روسيا هي من سمحت بذلك لجعل كورسيك مقبرة للجيش الاوكرانى في لحظة معينة عندم يأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة ويبيد القوات الأوكرانية بالكامل على الأرض الروسية دون ان يتلقى اى لوم دولي. لو تخيلنا للحظة ردة فعل بوتين وهو يستيقظ على أخبار القوات الأوكرانية وهي تجوب شوارع القرى الروسية. هل سيشعر بما شعر به هتلر عندما اجتاحت القوات السوفيتية برلين؟ أم سيستحضر روح ستالين في ستالينغراد، مصمماً على تحويل الهزيمة إلى نصر مهما كلف الثمن؟

الخطر الحقيقي هنا ليس في التوغل الأوكراني بحد ذاته، بل في رد الفعل الروسي المحتمل. فالتاريخ يؤكد انه عندما يُحاصَر الدب الروسي، فإنه لا يستسلم؛ بل يصبح أكثر شراسة. وهذا ربما يكون مبرر قوى لموسكو ليشاهد العالم هذه الشراسة وهى تتجلى في شكل رؤوس نووية تكتيكية؟

بنفس النهج، يمكن متابعة الأزمة التاريخيّة في مضيق تايوان، حيث تتصاعد الأحداث بوتيرة مقلقة. الصين، التي طالما اعتبرت تايوان "المقاطعة المتمردة"، تكثف مناوراتها العسكرية في أكبر استعراض للقوة منذ عقود. هذه ليست مجرد تدريبات روتينية؛ إنها رسالة واضحة للعالم: الصين مستعدة لاستعادة ما تعتبره أرضها بالقوة إذا لزم الأمر. الولايات المتحدة، من جانبها، تعزز وجودها العسكري في المنطقة بشكل غير مسبوق منذ حرب فيتنام. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل الردع العسكري التقليدي لا يزال فعالاً في عصر الحروب الهجينة والاقتصادات المترابطة؟

أيضا وفي الشرق الأوسط، نري مشهداً يبدو وكأنه مزيج من أزمة الصواريخ الكوبية وحرب الأيام الستة. إيران تقترب من عتبة القدرة النووية، في حين تشن إسرائيل هجوما واسعا على لبنان ربما يمتد الي أسابيع يعيد هذا البلد المنكوب الي أسوأ من حرب عام ٢٠٠٦ .

رد إيران على قصف قنصليتها ومن ثم اغتيال هنيه بين أحضانها وبعدها اغتيال حسن نصر الله واغلب قادة حزب الله في لبنان كان بمثابة تغيير جذري في قواعد الاشتباك. أيضا الهجوم المباشر السابق على إسرائيل باستخدام طائرات مسيرة، رغم محدودية تأثيره العسكري، يمثل تحولاً استراتيجياً في الصراع. فهل تجاوزنا نقطة اللاعودة، والمواجهة المباشرة أصبحت حتمية؟

إضافة إلى ذلك، تصعيد الحوثيين لهجماتهم في البحر الأحمر، وهجماتهم الرمزية على إسرائيل، يضيف بعداً جديداً للأزمة. هذه الهجمات ليست مجرد عمليات عسكرية؛ إنها تهديد مباشر لشريان التجارة العالمية.

وسط هذه الفوضى، يبرز عامل جديد لم يكن موجوداً في الصراعات السابقة: الترابط الاقتصادي العالمي المعقد. مجموعة البريكس، التي تضم الآن قوى صاعدة مثل الهند والبرازيل، تتحدى هيمنة الدولار الأمريكي. هذا التحدي ليس مجرد منافسة اقتصادية؛ إنه إعادة تشكيل للنظام العالمي بأكمله.

لكن هل سيكون هذا الترابط الاقتصادي درعاً واقياً ضد الحرب؟ التاريخ يعلمنا أن الاعتماد المتبادل ليس ضماناً للسلام. فقبل الحرب العالمية الأولى، كانت أوروبا في ذروة العولمة الاقتصادية. لكن ذلك لم يمنع الكارثة".

في خضم هذه الأزمات، يبرز عنصر جديد يغير قواعد اللعبة: الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة في المجال العسكري واستخدامات الدرونز والحرب الإلكترونية. هذه التكنولوجيا لا تغير فقط كيفية خوض الحروب، بل تثير أيضاً أسئلة أخلاقية عميقة.

في أوقات عدم اليقين يلجأ الناس إلى المقارنات التاريخية، فبعد أحداث الـ 11 من سبتمبر استخدم مسؤولو إدارة جورج دبليو بوش الهجوم على "بيرل هاربر" كمثال مرجعي لتحليل الفشل الاستخباراتي الذي أدى إلى تلك الأحداث، واليوم التشبيه المفضل هو الحرب الباردة، لكن الفترة الحالية ليست تكراراً للحرب الباردة بل هي أكثر خطورة، فالصين ليست الاتحاد السوفياتي الذى كان معزولا على نفسه ، اما الان ونتيجة لسياسات واغوالغرب اصبح هناك معسكر يضم للمرة الأولى الصين بكل امكانياتها البشرية والاقتصادية غير المسبوقة وروسيا الوريث الشرعي لدولة عظمى سابقا بكل ادواته ومخزونه النووي، وكوريا الشمالية فضلا عن العديد من الدول التي سئمت من العقوبات أو الغطرسة المالية والسياسية الامريكية. وسط هذا المشهد القاتم، نكتشف ان دبلوماسية السياسية أيضا لم تعد تجدى نفعا حتى لو تم ربطها بضغوط اقتصادية وعسكرية في الكثير من الأحيان لنزع فتيل الأزمات. لدرجة تبدوا معها تلك الجهود وكأنها محاولة لإطفاء حريق هائل بكوب من الماء. فنحن؛ نحاول حل مشاكل القرن الحادي والعشرين بأدوات القرن العشرين. لانه في السياسة الدولية، الحكمة لا تكمن في تجنب الأخطاء، بل في عدم تكرار نفس الخطأ مرتين. الوقت يمر، والتاريخ ينتظر. ونحن أيضا ماذا سيحدث غدا.



تواصل معنا